قمة مغاربية مفتوحة أم منغلقة على ذاتها

كل الخوف أن يكون الهدف من القمة القيام بتحرك استعراضي لتحقيق أجندة جزائرية ضمن سياق المماحكات مع المغرب والرد على مبادرته الأطلسية التي توجهت إلى دول الساحل والصحراء فقبلت بها وتحمست لها.

ليس هناك مشكلة في عقد قمة ثلاثية مغاربية الاثنين في تونس. على العكس هي مبادرة مهمة إذا كانت مرتبطة بهدف واضح على أجندتها، مثل أن تكون القمة مخصصة للتنسيق بشأن التعديلات التي جاءت في مقاربة اللجوء بالنسبة إلى الأوروبيين وتقديم إجابة مشتركة ووضع خطة تحرك جماعي تقوي الموقف التفاوضي للبلدان الثلاثة مع الشركاء الأوروبيين بدل التحرك بشكل منفرد.

ولا يمكن مناقشة ملف الهجرة مع الأوروبيين من دون تنسيق داخلي بين الدول الثلاث يوقف لعبة إغراق الجارة تونس بالتدفقات القادمة من الجنوب، هؤلاء الذين يتسللون تحت أنظار قوات الحدود في الجارتين الغربية والجنوبية، ويضعون قيس سعيد في معادلة صعبة جدا بين إمكانيات بلاده المحدودة، وتكدس المهاجرين، وضغط أوروبا لوقف الهجرة.

يمكن أن تنعقد القمة تحت عنوان آخر مثل مساعدة تونس على مواجهة أزمتها المالية خاصة أن الجارتين الجزائر وليبيا دولتان نفطيتان ولديهما فائض من عائدات النفط، ويمكن أن تخرج القمة بقرارات مثل ضخ التمويلات التي تحتاجها تونس حتى لا تقع تحت شروط صندوق النقد الدولي القاسية، مثل الرفع التدريجي للدعم والتفويت في المؤسسات الحكومية، وهو توجه يرفضه قيس سعيد ويعتبر أن السير فيه قد يقود البلاد إلى أزمة شبيهة بأزمة 1984 حين قررت البلاد رفع الدعم عن الخبز وعاشت أوضاعا صعبة بسبب ذلك.

يفترض أن الجهات المنظمة للقمة، وأساسا الجهة صاحبة المبادرة، أي الجزائر، قد طلبت من تونس دراسات تفصيلية عما تريده قبل فترة لتتم دراستها في لجان متخصصة وتقديم لائحة تفصيلية بالمشاريع لتقييمها وقبول البعض ورفض البعض الآخر واقتراح بدائل من نوع اتفاقية لتشغيل العمالة التونسية وإعطائها الأولوية في السوق الثلاثية.

لا أعتقد بوجود نية لدى الجهة التي تقف وراء عقد القمة لفتح باب التمويلات والإنفاق والتضامن الفعلي. يمكن أن تصدر تصريحات في هذا الاتجاه، لكنها ستكون شبيهة بسابقاتها في لقاءات ثنائية سواء تونسية – جزائرية أو تونسية – ليبية. الكثير من الوعود أطلقت لدعم تونس وضخ الاستثمارات لفائدتها، لكنها لا تزال مؤجلة. طبعا لكل بلد حساباته، ولكن النتيجة واحدة.

يمكن أن تضع القمة كعنوان لها تبني الحل في ليبيا بعد فشل المبادرات الأممية والأفريقية في قيادة البلاد إلى مصالحة وانتخابات. وجود محمد المنفي في القمة يمكن أن يساعد على بلورة مبادرة ثلاثية، لكن المشكلة أن صاحب فكرة القمة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون منحاز إلى جماعة الغرب الليبي، ما يجعله غير محايد ويجعل كلمته غير ذات مصداقية.

هذا عامل يمنع القمة الحالية من أن تقدم مبادرة حول ليبيا عدا بيانا عاما وتوصيات روتينية تحث على الحوار، لكن أن تفتح الباب لحوار ليبي – ليبي برعاية جزائرية – تونسية فالأمر صعب لاعتبارات منها أن المبادرة لا يجب أن تكون استعراضية أو للاستثمار السياسي، وأن تحظى بقبول وحماس الجهات الليبية المختلفة من الشرق والغرب والجنوب.

أمام القمة تحد آخر تحتاج أن تتحدث عنه، ويهم الجزائر وليبيا، ويتعلق بالتحولات الجارية في منطقة جنوب الصحراء، والتي تلقي بالآلاف من المهاجرين غير النظاميين باتجاه أوروبا. المشكلة ليست فقط في المهاجرين، الأمر يتعلق بتشكيل حزام من القوى الثورية الشعبوية الباحثة عن بناء علاقات جديدة مع شركاء فاعلين وإيجابيين ما دفعها إلى الاستنجاد بروسيا وتركيا وربما تتسلل قوى أخرى تطوق الدول المغاربية من الجنوب.

والسبب أن بعض الدول المغاربية تريد أن يتم التغيير على مقاسها، وأن يكون القادة الجدد في صفها، وأن يلتزموا بها حكما ووسيطا متعاليا، مثل ما يحصل حاليا بين الجزائر ومالي، والجزائر والنيجر.

كان يمكن أن تتدخل الجزائر سياسيا وماليا وأمنيا لدعم الانتقالات التي تمت على حدودها وكسبها ثقة القادة الجدد بدل أن يتحولوا إلى مشكلة. وحتى فكرة بناء مناطق حرة على الحدود لم تجذب اهتمام الجيران لأنها جاءت متأخرة من جهة، ومن جهة أخرى هي غير واقعية لأنها تبحث عن منطقة تبادل سلع مع بلدان في وضع اجتماعي واقتصادي صعب وتريد الدعم بدلا من المشاريع التي تنتظر طويلا.

ماذا بقي للقمة من مشاريع لتطرحها، هل ستقدم مبادرة للمصالحة المغاربية وتدعو العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى اللحاق بالقمة القادمة؟ هل ثمة من بين المشاركين من لا يتحمس لعودة الاتحاد المغاربي ومشاركة أعضائه الخمسة في الاجتماعات وتبديد حالة التوتر في المنطقة؟

لكن كيف يمكن استقدام العاهل المغربي إلى قمة جماعية تتزعمها الجزائر وهي صاحبة فكرة عقدها، والجزائر نفسها لم تتحمس لعرضه بزيارة المملكة قبل القمة العربية أو خلالها، ولم تتحمس لدعوته إلى فتح الحدود بين البلدين؟ لماذا لا تبادر القمة إلى دعم هذا المقترح باعتباره أحد شروط تفعيل الاتحاد المغاربي؟ هل الحدود الأوروبية مغلقة بين بلد وآخر؟ هل المصالح الاقتصادية يتحكم فيها مزاج رئيس بعينه؟

يمكن للقمة أن تتجنب الإحراج بأن تدعو إلى تحييد موضوع الصحراء في الاجتماعات. هذا ملف لديه قنوات دولية ليدعها قادتنا تستمر في مقاربته، ويركزوا على حل القضايا البينية وعلى رأسها فتح الحدود وتنشيط المبادلات التجارية وإقامة المشاريع المشتركة والتأسيس لقوة إقليمية تتفاوض مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها في مختلف الملفات كتكتل وليس كدول.

من غير المتوقع أن تدعو قمة الاثنين في تونس إلى مصالحة مغاربية. قد تصدر بيانا عاما بشأن تفعيل مؤسسات المغرب العربي، وقد يرد ذلك في تصريح للرئيس التونسي، لكن المستبعد أن تكون عنوانا للقاء القمة الثلاثية.

فما الهدف من القمة؟ التشاور هو العنوان المطروح للقاء الثلاثي، ولكن التشاور بشأن ماذا؟ هل الهدف إصدار بيان شديد اللهجة داعم للفلسطينيين؟ فهذا أمر مألوف وقديم وكل بيانات القمم في المنطقة تضعه بندا ثابتا فيها.

هل سيتم التأكيد على التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب والجريمة؟ فهذه عناصر باتت روتينية في البيانات خاصة أنه لا توجد أحداث إرهابية تستدعي تخصيص قمة لها. أم صيغة فضفاضة كما جاءت في اللقاء الأول، حيث بحث الرؤساء “الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية وضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب” بحسب بيان للرئاسة الجزائرية وقتها.

كل الخوف أن يكون الهدف من القمة القيام بتحرك استعراضي لتحقيق أجندة جزائرية ضمن سياق المماحكات مع المغرب، والرد على مبادرته الأطلسية التي توجهت إلى دول الساحل والصحراء فقبلت بها وتحمست لها لسبب بسيط، هو أنها تصب في مصلحتها.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-04-22T02:10:31Z dg43tfdfdgfd