رحلة الجاز بطنجة تجذب نجوم العالم نحو الجذور الأفريقية

منظمة اليونسكو اختارت طنجة للاحتفاء باليوم العالمي للجاز هذا العام والذي يسلط الضوء على قوة موسيقى الجاز ودورها في تعزيز السلام والحوار بين الثقافات.

طنجة (المغرب)- منذ خمسينات القرن الماضي احتضنت مدينة طنجة المغربية فناني جاز أميركيين كبارا مثل راندي ويستون وإدريس سليمان وماكس روتش عبروا المحيط الأطلسي نحو “واحة من الحرية”، مخلّفين إرثا تحتفي به منظمة اليونسكو الثلاثاء بمناسبة اليوم العالمي للجاز.

فقد مارست المدينة، الواقعة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط في أقصى شمال غرب المغرب، في تلك الفترة “سحرا جذابا على موجة من المثقفين والموسيقيين (الأجانب)، حتى نُسب لأحدهم قوله إن في نيويورك سفينة على استعداد دائم للإبحار نحو طنجة”، على ما يقول مؤسس مهرجان “طنجاز” فيليب لوران.

واختارت منظمة اليونسكو طنجة للاحتفاء باليوم العالمي للجاز هذا العام، الذي يحتفل به يوم الثلاثين من أبريل الجاري في أكثر من 190 دولة على أساس أن تكون مدينة البوغاز الرائدة في هذه الاحتفالات ورمزا حيا لتلاقح الثقافات.

وتحتضن اعتبارا من السبت مؤتمرات وحفلات في الهواء الطلق، تتوج بإقامة احتفال دولي كبير بمشاركة فنانين مثل عازف البيانو هيربي هانكوك وعازفي غيتار الباص ماركوس ميلر وريتشارد بونا وعازف الغيتار روميرو لوبامبو.

تعود جذور تلك الجاذبية إلى انفتاح المدينة على العالم خلال الفترة التي كانت فيها تحت إدارة دولية (1923 – 1956)، أثناء خضوع المغرب للحماية الفرنسية – الإسبانية في النصف الأول من القرن الماضي.

وما زاد مكانتها العالمية أن كُتّابا وشعراء من حركة “بيت جنرايشن” الأدبية الأميركية، وموسيقيي جاز أميركيين من أصول أفريقية جاؤوا إليها “سعيا خلف جذورهم الأفريقية”، وفق ما يوضح المؤرخ فريد بحري، مؤلف كتاب “طنجة تاريخ للعالم والمغرب”.

وشكلت طنجة في تلك الفترة “واحة للحرية، مثلما هي موسيقى الجاز”، كما يضيف لوران، فيما يشير بحري إلى أن “وجود موسيقيين أميركيين في طنجة كان مرتبطا أيضا بالنشاط المكثف للدبلوماسية الأميركية” في المدينة.

واستقر فيها مثلا عازف البيانو الشهير راندي ويستون لخمسة أعوام، بعد جولة له في 14 بلدا أفريقيا نظمتها وزارة الخارجية الأميركية عام 1967.

ولعب هذا الفنان الذي برز في حي بروكلين النيويوركي دورا أساسيا في نسج أسطورة طنجة، وخصص لها ألبوما أصدره عام 1973 بعنوان “طنجة”.

وخلال مقامه في “عروس الشمال”، كما تلقب في المغرب، عايش ويستون فنان موسيقى كناوة المغربي عبدالله الغورد، الذي يتذكره قائلا “كان راندي رجلا مميزا لطيفا ومحترما، لقد قدم الكثير للمدينة وموسيقييها”.

تعاون “معلم” كناوة الغورد مع صديقه راندي الذي توفي العام 2018، ودفعا معا حدود الإبداع بعيدا، ليصبحا رائدي المزج بين الجاز وكناوة، الموسيقى الصوفية التي تعود جذورها إلى العبيد المُرحّلين من غرب أفريقيا.

وفي فضاء مخصص للتدريب في قلب طنجة زينت جدرانه بصور تُخلِّد جولات فنية عبر العالم آنذاك، خصوصا مع راندي ويستون وعازف الساكسفون آرتشي شيب، يتذكر الغورد (77 عاما) قائلا “كان راندي ويستون شريكا عظيما، حيث تمكنت من تذوق موسيقى الجاز معه”، وتابع “لم يكن حاجز اللغة عائقا على الإطلاق، إذ كنا نتواصل من خلال الموازين الموسيقية”.

وأضاف المعلم عبدالله، في شهادته عن هذه الفترة، أنه اكتشف موسيقى الجاز بالصدفة، موضحا “عرفني راندي على موسيقى الجاز، وأخذت الإيقاع وأضفت موسيقى آلة الجمبري والقراقيب والطبل، ومن هنا خلق التعايش والتمازج بين موسيقى كناوة والجاز”.

وبعد عامين على إقامته في طنجة، افتتح ويستون نادي جاز سماه “أفريكان ريتم كلوب”، فوق مقر سينما “موريتانيا” الشهيرة وسط المدينة.

ويتابع الغورد “كنا نتدرب هناك وكان راندي يدعو أصدقاءه الموسيقيين، كانت أياما جميلة”.

وبعد 25 عاما على لقائهما أثمر هذا التعاون الطويل ألبوما بعنوان “موسيقيو كناوة الرائعون في المغرب” صدر في 1992.

وكانت طنجة محور ألبوم جاز آخر اعتبر مرجعا في أوساط عشاق هذا الفن، قبل أن يصدر في نسخة تجارية العام 2017 تحت عنوان “موسيقيو الجاز الأميركيون الأربعة في طنجة”.

وتعود قصة هذا الألبوم الفريد من نوعه إلى تسجيل لسهرة جمعت عام 1959 أربعة فنانين أميركيين كبار هم إدريس سليمان وأوسكار دينار وجميل ناصر وباستر سميث، بدعوة من الإعلامي جاك مويال الذي كان يقدّم حينها برنامجا لموسيقى الجاز في إذاعة دولية كانت تبث من طنجة.

لم يكن مويال الذي كان يومها في الثامنة عشرة، يدرك أنه سجل واحدا من أبرز ألبومات الجاز.

وتواصلت ملحمة الجاز في طنجة بانخراط راندي ويستون في مغامرة مجنونة عام 1972 لإقامة أول مهرجان دولي لموسيقى الجاز، استضاف فنانين كبارا كماكس روتش وهيوبرت لاوس وأحمد عبدالملك ودكستر غوردون.

ويتذكر عبدالله الغورد، الذي شارك أيضا في المهرجان، “كانت تجربة فريدة لأنها كانت المرة الأولى التي نعزف فيها أمام جمهور كبير”، بينما كان متعودا على عزف إيقاعات كناوة لجمهور متعطش في حلقات صغيرة على عادة “معلمي” هذا الفن الشعبي في المغرب.

ولم تدم مغامرة المهرجان الذي أطلقه ويستون طويلا، لكن دورته الوحيدة ألهمت بعد ثلاثة عقود فيليب لوران لإطلاق مهرجان “طنجاز” الذي يقام كل عام في سبتمبر.

ويجمع اليوم الدولي لموسيقى الجاز، الذي أنشأه المؤتمر العام لليونسكو في عام 2011 واعترفت به الجمعية العامة للأمم المتحدة، البلدان والمجتمعات من جميع أنحاء العالم في الثلاثين من أبريل من كل عام. ويسلط الضوء على قوة موسيقى الجاز ودورها في تعزيز السلام والحوار بين الثقافات والتنوع واحترام الكرامة الإنسانية.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-04-29T02:12:27Z dg43tfdfdgfd